منهج تربوي لتربية الفتيات
د. نوال العيد
السؤال
أرجو نصيحتي في كيفية الدعوة، لقد
منَّ الله علي بأمر الدعوة إلى الله في أحد المساجد، وبفضل الله أحكي
قصص أمهات المؤمنين –رضيالله عنهن-، وطلبت منى أمهات البنات أن أقوم
بدعوة بناتهن للتدين والفضيلة، وسنهؤلاء البنات يتراوح بين 9 سنوات و16
سنة.
أرجو من فضيلتكم إرسال منهج تربوي
أسيرعليه مع هؤلاء البنات، فبماذا أبدأ؟ هل أبدأ معهن بأن أعرفهن
وأحببهن في الله، ثمفي الرسول-صلى الله عليه وسلم
- أم ماذا أفعل؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله
رب العالمين، والصلاةوالسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
أسأل الله لك – أخية- العزيمة على
الرشد،والثبات في الأمر، وأبشرك بأن العبد إذا علم وعمل وعلَّم، كان
ربانياً في ملكوتالسماوات والأرض، لقد أمر الله الأنبياء أن يأمروا
أممهم أن يكونوا معلمي الناسالخير، يقول تعالى: "مَا
كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَوَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْدُونِ اللَّهِ
وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَالْكِتَابَ
وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ"[آل عمران:79]، وروى
الطبراني في الكبير (7473)، والحاكم في المستدرك (317) من حديث أبي
أمامة – رضي الله عنه - مرفوعاً: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن
يتعلم خيراً أو يعلمه كان له كأجر حاج تاماًحجته". قال الألباني:حسن
صحيح. صحيح الترغيب (86). أيتها الفاضلة: أقبلي عرضالأمهات، واحمدي
الله عليه؛ لأن الله إذا أحب عبداً استخدمه في طاعته، جعلني اللهوإياك
هذا العبد، وإليك بعض التوجيهات التي تفيدك – إن شاء الله- في
دعوةالناشئة:
(1) أخلصي النية،
فإن من أخلص النيات كان لقوله وقع،
وكان لفعله تأثير،وقد أمرنا الحق به فقال: "الذين
يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاالله..." [الأحزاب:39]،
وتأملي في إخلاص غلام مات وأحيا الله به أمة، أخرج مسلم فيصحيحه
(3005)، والترمذي في جامعه (3340م) واللفظ له، أن رسول الله –صلى الله
عليهوسلم- قال: "كان ملك من الملوك ، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له،
فقال الكاهن: انظروا لي غلاماً فهماً، أو قال: فطناً لقناً، فأعلمه
علمي هذا، فإني أخاف أن أموتفينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من
يعلمه، قال: فنظروا له على ما وصف، فأمروهأن يحضر ذلك الكاهن، وأن
يختلف إليه، فجعل يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهبفي صومعة، فجعل
الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرَّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال:
إنما أعبد الله، قال: فجعل الغلام يمكث عند الراهب، ويبطئ على الكاهن،
فأرسل الكاهنإلى أهل الغلام إنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب
بذلك، فقال له الراهب: إذاقال لك الكاهن: أين كنت؟ فقل عند أهلي، وإذا
قال لك أهلك: أين كنت فأخبرهم أنك كنت؟عند الكاهن، قال: فبينما الغلام
على ذلك، إذ مر بجماعة من الناس كثير قد حبستهمدابة، فقال بعضهم: إن
تلك الدابة كانت أسدا، قال: فأخذ الغلام حجراً، قال: اللهم إنكان ما
يقول الراهب حقاً فأسألك أن أقتلها، قال: ثم رمى فقتل الدابة، فقال
الناس: من قتلها؟ قالوا: الغلام، ففزع الناس، وقالوا: لقد علم هذا
الغلام علماً لم يعلمهأحد، قال: فسمع به أعمى، فقال له: إن أنت رددت
بصري فلك كذا وكذا، قال: لا أريد منكهذا، ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك
أتؤمن بالذي رده عليك؟ قال: نعم. قال فدعا اللهفرد عليه بصره، فآمن
الأعمى، فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتي بهم، فقال: لأقتلنكل واحد
منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى،
فوضعالمنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر
بالغلام، فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا، فألقوه من رأسه، فانطلقوا
به إلى ذلك الجبل، فلماانتهوا به إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه
منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل،ويتردون حتى لم يبق منهم إلا الغلام،
قال: ثم رجع، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلىالبحر فيلقونه فيه،
فانطلق به إلى البحر ، فغرّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقالالغلام
للملك: إنك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني، وتقول إذا رميتني: بسم الله
ربَّهذا الغلام. قال: فأمر به فصلب ثم رماه، فقال: بسم الله رب هذا
الغلام. فوضع الغلاميده على صدغه حين رُمي، ثم مات، فقال أناس: لقد علم
هذا الغلام علماً ما علمه أحد،فإنا نؤمن برب هذا الغلام، قال: فقيل
للملك: أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالمكلهم قد خالفوك، قال: فخدَّ
أخدوداً ثم ألقى فيها الحطب والنار، ثم جمع الناس،فقال: من رجع عن دينه
تركناه. ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم فيتلك الأخدود،
قال: يقول الله – تعالى-: "قتل أصحاب الأخدود النار ذاتالوقود".
فبالإخلاص أحيا الله بموت هذا الغلام أمة.
(2) عليك– أيتهاالكريمة-أن تقرئي في
خصائص هذه المرحلة وما تتميز به، والمشكلات التي يواجههاالمراهقون، ومع
أهمية هذه النقطة، وأثرها الفاعل في نجاح الداعية إلا أن الكثير
منالمربين والمصلحين يغفل عنها، هبِ أنكِ سافرت لمدينة تريدين معلماً
فيها، مستعينةبالله، مطالعة لخريطة لهذه المدينة تحدد لك أماكنها
ومعالمها، سائلة قاطناً فيهاخبيراً بها، لا شك أن وصولك للهدف سيسهل،
وستوفرين عليك الكثير من الوقت والجهد،بخلاف ما لو دخلت المدينة بدون
خبرة، ستأخذين وقتاً، وستهدرين جهداً للوصول للهدف،لا تبدئي من حيث بدأ
الآخرون، بل ابدئي من حيث انتهوا، واستفيدي من تجاربهموخبراتهم،
والمؤمن كيس فطن، يحرص على ساعات عمره، والحكمة ضالته أينما وجدها
أخذها،أنصحك بقراءة كتب عن المراهقة منها: سيكولوجيا المراهق المسلم
المعاصر، وكتب د. عبدالعزيز النغيمشي التي تناولت موضوع المراهقة، وعلى
كل حال فإن مجموعة الفتياتاللاتي تتحدثين إليهن يمثلن: مرحلة المراهقة
الأولى وهي ما بين (11-14عاماً)،وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة، ومرحلة
المراهقة الوسطى (14-18عاماً) وهي مرحلةاكتمال التغيرات البيولوجية.
(3) الفتيات يحببن من يشعر بهن،
ويتنفس مشكلاتهن؛لأنهن يعشن مرحلة معينة لها خصائصها في وقت كثرت فيه
المتغيرات، وتسلط فيه الغزوالفكري بشتى صوره، فأضحى الجيل مولعاً
بالتبعية، فاقداً للهوية، فارغ الروح، منهكالبدن فيما يضره ولا ينفعه،
فاحرصي أن تطرحي موضوعات تتناسب مع سن الفتيات والعصرالذي يعشنه، ليس
من الحكمة في شيء أن أحدث الفتاة عن قيام الليل، وهي لا تصليأصلاً، أو
عن طلب العلم وهي غارقة في بحار الشهوات، وقديماً قيل: (التخلية قبل
التحلية)، كوِّني لك قاعدة بيانات تستقينها من أوساط الفتيات عن أهم
الموضوعاتاللاتي تحب الفتاة التعرف عليها، أو المشكلات التي تواجهها،
فتشعر الفتاة المتلقية منك أنك قريبة منها، ملامسة لواقعها، لديك إحساس
بألمها، ولتكوين قاعدة البيانات وسائل منها:
1- إن كنت عاملة في سلك التعليم، أو
لديك من هو في هذا السلك، فماعليك إلا وضع استبانة تتناول أهم
الموضوعات التي تحبين التعرف عليها، سواءً كانتدينية أو اجتماعية، أو
نفسية، أهم المشكلات التي تواجهينها، البرامج التي تحبينمتابعتها،
وماذا تحوي؟ الكتب التي تقرئينها، وما المادة المطروحة فيها وما إلى
ذلك.
2- الدخول إلى مواقع الإنترنت التي
تتحدث عن الفتيات.
3- عن طريق المجلاتالإسلامية التي تخاطب
الفتاة المسلمة، فإنها غنية بكثير من الموضوعات المعدة للطرحوالمناقشة.
وأذكر أني مرة ألقيت على طالباتي في الكلية عن القنوات الفضائية
بينالسلب والإيجاب، وطرحت كثيراً من البرامج التي تتَّبعها الفتيات، ثم
بينت مواضعالسلب فيها، وما ترنو إليه من هدم للأخلاقيات، فوجدت تجاوباً
عجيباً من قبل البنات،وما ذلك إلا لوجود ترابط بين ما يرين ويسمعن،
وبين ما كنت أحكيه لهن.
4- أهمسفي أذنك بهذه النصيحة ألا وهي
البدء بنقاط الاتفاق بينك وبينهن عند طرح الموضوع،وتجنبي عرض نقاط
الاختلاف ابتداءً؛ لأنه يخلق نفرة بين القلوب، ويباعد بينالمسافات،
ويولد جفاوة، ويوقف التواصل، ولذا نجد القرآن الكريم عند حوار
المخالفينفي المعتقد يبدأ بعرض البدهيات والمسلمات التي تلزم نهاية
بالإيمان بما أنكروه ابتداءً "قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ
وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ*قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِالسَّبْعِ وَرَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاتَتَّقُونَ"[المؤمنون:84-87].
وذاك الشاب الذي جاء يستأذن رسول
الله –صلى الله عليهوسلم- في الزنا، فهمَّ من كان قرب النبي –صلى الله
عليه وسلم- أن يتناولوه، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
"دعوه". ثم قال له: أتحبه لأمك؟"،
قال: لا، قال: "ولاالناس يحبونه لأمهاتهم". قال: "أفتحبه لابنتك؟" قال:
لا، قال: "ولا الناس يحبونه لبناتهم ". قال: "أفتحبه لأختك؟"، قال: لا،
قال: "ولاالناس يحبونه لأخواتهم"... الحديث.أخرجه أحمد (22211). فلا
تطرحي في أوائل موضوعاتك مواضيع تتحدث عن النمص والتبرج وما إلى ذلك مع
شدَّة ضررها، ولزوم النهي عنها، لكن وقتها مع فتياتك لم يحن بعد،
لتستهلين حديثك إليهن عن محبة الله ووجوب التقرب إليه، وعن أثر الذنوب
والمعاصي على العباد، وعن القبر، وعن اليوم الآخر، وما إلى ذلك من
المواضيع التي ترقق القلوب، وتقبل بها إلى الدار الآخرة، مدعمة موضوعك
بالأدلة والأمثلة والقصص القرآنية والنبوية والواقعية. ومن الموضوعات
التي طرحتها، ووجدت أثرها على فتياتي، وهن في سن الجامعة أي ما بين
(18-22): الفراغ العاطفي، الحب الإلكتروني،القنوات الفضائية بين السلب
والإيجاب، خطوات نحو محبة الله، برنامج فعلي في تغيرالذات (تناولت فيه
موضوع التوبة)، شباب في مثل سنك، تكلمت فيه عن شباب صغار قدمواللأمة
الكثير، أمثال: عائشة، وابن عباس- رضي الله عنهم- والبخاري والشافعي،
وغيرهمالكثير، الحصانة الفكرية، لكن لا بد أن تراعي تبسيط العبارة بما
يتناسب مع فكرالناشئة، أضف إلى ذلك مخاطبة الوجدان والعقل، واعلمي –
أيتها الفاضلة- أنك متى مااستطعت أن تخاطبي قلوب الناس وتؤثرين عليها
يتغير لك الظاهر، ألا ترين أن بعضالأخوات تحضر محاضرة لا يتطرق فيها
المحاضر إلى المخالفات الظاهرية لكنها تتأثر بمايقال، وتقرر التوبة،
فتبدأ أن بتغيير مظهرها وترتدي الحجاب، وتترك النمص، وتهجرالأفلام، وما
ذاك إلا لجودة المحاضر، وقدرته على التأثير. 5- الفتيات اللاتي
تخاطبينهن سميعات بصيرات، فاحرصي أن تعدي عرضاً مرئياً للموضوع الذي
تطرحينه، فإنهأوقع في النفس، وأبقى للأثر، فلما تطرحين موضوعاً عن
وسائل التغريب، وتقدمين عرضاًمرئياً لبعض الوسائل، ونسباً إحصائية لا
شك أنه أجود. 6- اشغلي فتياتك بالبحث والتنقيب، واربطيهن معك أثناء
درسك وبعده، وذلك عن طريق الإعلان في نهاية المحاضرةعن عنوان محاضرتك
المقبلة، وأن من لديها مشاركة مكتوبة أو مقروءة أو معروضة فحياهلا بها،
فتشغلين الفتاة للنافع المفيد، وتبثين روح التنافس الشريف، وتكتشفين
قدراتهن ومواهبهن من أجل تبنيها وتوجيهها لخدمة الدين، وارصدي مكافأة
لمن تشارك فيإنجاح البرنامج. 7- اقرئي في صفات الداعية الناجحة، وتأملي
قول الرب: "فَبِمَارَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِلَانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْفِي
الْأَمْرِ"...[آل عمران: من الآية159]، واعلمي أن الله يعطي
على الرفق ما لايعطي على العنف، وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما
نزع من شيء إلا شانه،فرفقاً بالقوارير، تلطفي للفتيات، واحرصي على
سؤالهن عن أحوالهن، وتفقديهن، فبهذا تستحوذين على قلوبهن. أحسن
إلى الناس تستعبد قلوبهم*** فطالما استعبد الإحسانإنسانا وفقك الله لكل
خير، ونفع بك البلاد والعباد.
|
- Blogger Comment
- Facebook Comment
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 التعليقات:
إرسال تعليق