أسس تربية الشباب في الإسلام
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه،
ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ
أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا
هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له،
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى
آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ
الدين،
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى،
عباد الله،
شباب الأمة عصب الحياة وقيوم المجتمع، فبصلاح هذا النشء
تصلح الأمة، وبفساده وسوء تربيته يعم الفساد للناس أجمعين.
أيُّها الأخوة،
مرحلة الشباب من أعظم المراحل شأنا، لماذا؟ لما يتمتع به
الشاب من وقوة وذكاء، وصبر وتحمل، ولهذا أمر الشارع
الاهتمام بالشباب وتهيئتهم لتحمل مسئوليتهم ورسالتهم في
هذه الحياة، وإن الاعتناء بالشباب وتربيتهم مسلك الأخيار
وخلق الأبرار من هذه الأمة، وإن تضيعهم وإهمالهم خطر عظيم،
فالأمة تفسد بفساد أجيالها، وما يتمكن الأعداء منها إلا
بالتأثير على صغارها ونشأها.
أيُّها المسلم،
وإن الاهتمام بتربية الشباب وصلاح قلوبهم خلق أنبياء الله
المرسلين قال الله جلَّ وعلا عن إبراهيم عليه السلام أنه
قال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ
أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) فسأل الله أن يجنبه
وابنه عبادة الأصنام، مع أنه كسر الأصنام ودعا إلى توحيد
الله جلَّ وعلا، لكن من باب التضرع إلى الله والالتجاء
إليه وعدم الثقة بالنفس قال: (رَبِّ
اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا
وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).
أيُّها المسلم،
إن الإسلام اهتم بشأن الشباب، وأرشد الأمة إلى المحافظة
على هذا النشء وإعداده إعدادا صالح لتحمله مسئوليته،
وليعرف وظيفته وشأنه، وليسع فيما يصلح دينه ودنياه، بعث
الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأحاطه
بثلة من الشباب الأخيار الذين كانوا في أول أعمارهم، لكنهم
فئة ضحوا بأنفسهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل نصرة هذا
النبي صلى الله عليه وسلم ومؤازرته والوقوف معه بكل ما
يملكون، فكان الصديق رضي الله عنه أفضل خلق الله بعد
الأنبياء إذا كان في السابعة والثلاثين من عمره يوم مبعث
النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه في
الحادي والثلاثين من عمره، وكان عثمان في الخامس والعشرين
من عمره، وعلي أصغر من ذلك، كل هؤلاء كانوا أهل خير وصلاح
ونصرة لهذا الدين، ما انتصر هذا الدين إلا على سواعد فئة
من شباب الأمة ضحوا بكل غالي ونفيس، لما تخدعهم الدنيا
وشهواتها، ولا اللهو ولا الباطل؛ بل أخلصوا لله في دينهم
وحملوا هم هذه الدعوة الإسلامية فأصلح الله بهم البلاد
والعباد.
أيُّها المسلم،
إن الشريعة وضعت أسسا لتربية هذا النشء وإعداده الإعداد
الصالح، فمن ذلك أولا: الاهتمام بشأن العقيدة، وزرعها في
نفوس شبابنا، ولهذا شرع لنا عند تسمية المولود في أول أمره
أن نؤذن في أذنه اليمنى ونقيم الصلاة في أذنه اليسرى،
لتكون كلمة التوحيد وتعظيم الرب أول شيء يطرق سمع شبابنا،
فإذا أذن الله اكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأقيم
باليسرى كان كلمة التوحيد أول شيء يطرق سمع هذا الشباب
المسلم، لينشأ معظما للخير، وبعد نموه وقربه وإدراكه يؤمر
بتوحيد الله، وإخلاص الدين لله، أسمع إلى لقمان عليه
السلام وهو يعظ ابنه يقول: (يَا
بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ)، يحذره من الشرك بالله، ويخبره بأن الشرك
ظلم وأن هذا الظلم عظيم لأنه وضع الشيء في غر موضعه،
فالمشرك بالله الذي عبد غير الله، وذبح لغير الله، وتعلق
قلبه بغير الله، أتى بأعظم الظلم وأكبره وأشره، لأن
العبادة في جميع أنواعها حق لله، فمن صرف منها شيء لغير
الله فقد أتى بأعظم الظلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يوجه
ابن عباس في الصغر قائلا له: "يَا
غُلاَمُ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، إِذَا سَأَلْتَ
فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ
بِاللَّهِ"، نربي في نفوس أبناءنا محبة محمد صلى
الله عليه وسلم ونصرته وتأيده، إذ أن محبته أصل الإيمان: "ثَلاَثٌ
مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ أن
يكون اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا
سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ
إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى
الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا
يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"، ويقول صلى
الله عليه وسلم: "لاَ يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ
ووَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"، قال له عمر يا
رسول الله: إني أحبك فوق محبة الأهل والولد والمال إلا
نفسي، قال: "لا يا عمر"،
قال عمر: أنت أحب إلي من نفسي، قال: "الآن
يا عمر"، هكذا نربي أبناءنا على هذه العقيدة
الصحيحة، لينشئوا شبابا صالحا معظما لربهم معظما لنبيهم
صلى الله عليه وسلم.
ومن أسس تربية الشباب أيضا: أمرهم بفرائض الإسلام، وحثهم
عليها وترغيبهم فيها لينشئوا محبين لهذا الدين بهذه الطاعة
والأعمال الصالحة، أسمع لقمان عليه السلام ينصح ابنه ويعظه
يقول: (يَا بُنَيَّ أَقِمْ
الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ
الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ
مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا
يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ* وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ
وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)، (يَا
بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ) أمره بإقامة الصلاة
والمحافظة عليها لأنها عمود الإسلام، والركن الثاني من
أركان الإسلام، أمره بأن بأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
ليتحلى بالفضائل والأخلاق الكريمة فيأمر بكل خير وينهى عن
كل شر، وحذره من الكبر والطغيان والتعاظم، كل هذه تربية
للنشء في أول أمرهم لينشئوا معظما للخير، لينشئوا وقد ربوا
على الخير والصلاح والتقى.
ومن أسس تربية الشباب أيضا: دعوتهم إلى الأخلاق الفاضلة
عموما، ومن أعظم الأخلاق تقوى الله جلَّ وعلا، ومراقبته في
السر والعلانية، فإن من اتقى الله وراقبه في كل أحواله
كلها عاش سعيداً طيبا، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ربى
أصحابه على هذه الأخلاق الكريمة، فيوصي معاذ بن جبل رضي
الله عنه قائلا له: "اتَّقي
اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ
بالْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ
حَسَنٍ"، فقال له: "اتَّقي
اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ" اتقِي الله أينما كنت،
وفي أي عمل كنت، وفي أي مكان كنت، سرا وعلانية في كل
أحوالك أجعل تقوى الله نصب عينيك في كل تصرفاتك، "وَأَتْبِعِ
السَّيِّئَةَ بالْحَسَنَةَ تَمْحُهَا" لأن الحسنات
تمحوا السيئات، "وَخَالِقِ
النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" فأرشده إلى كيف يتعامل
مع ربه ومع نفسه ومع عباد الله، هذه الأخلاق الكريمة دعوة
إلى التقوى الإيمان ومراقبة الله جلَّ وعلا، جاء شاب إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أستأذنك في
الزنا، اسمح لي أن أزني، هم به الصاحبة فقال: "دعوه"،
ثم دعاه فقال: "يا هذا أترضى
الزنا لأمك"، فقال: لا، قال: "لأختك"،
قال: لا، قال: "لابنتك"،
قال: لا، قال: "لعمتك"،
قال: لا، قال: "لخالتك"،
قال: لا، قال: "فإن الناس لا
يرضونه لزوجاتهم، ولا لبناتهم ولا لعماتهم ولا لخالاتهم"،
ثم ضرب يده في صدره ثم قال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَفظ فَرْجَهُ"،
قال: فما هم بمعصية بعد ذلك.
يا أيُّها الأخوة،
نربي أبناءنا على القيم والفضائل، ونحليهم الأخلاق
الفاضلة، فمن ذلكم الآداب الحسنة، أن نؤدبهم بآداب الطعام
والشراب النبي صلى الله عليه وسلم أكل عمر بن أبي سلمة معه
وكانت يد عمر تطيش في الصفحة، فقال: "يَا
غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا
يَلِيكَ"، قال: عمر فما زالت أكلتي حتى اليوم،
وربهم صلى الله عليه وسلم في اللباس فحذر الذكور من لبس
الذهب والحرير وحذر من إسبال الثياب، ونهى عن التشبه
بالآخرين في كل شؤون حياتهم، ثم أرشدهم صلى الله عليه وسلم
إلى تقوى الله في أحوالهم كلها.
أيُّها الشاب المسلم،
إن تربية الشباب على الأخلاق والكرامة والفضيلة أمر مطلوب
منا لينشئ النشء منا على الأخلاق والقيم والفضائل.
ومن أسس تربية الشباب أيضا: نربيهم تربية علمية، بأن نحثهم
على العلم، ونرغبهم فيه، لكن بالعلم الشرعي الذي يتوقف
أمور دينهم عليها فلابد من العلم، فإن العلم شرف لشبابنا
وعزة وكرامة لهم وإن الجهل والإعراض والتسكع في الطرقات من
أعظم الأضرار والمفاسد، فلابد من الاعتناء بشبابنا من
الناحية العلمية علما ومعرفة فإن العلم شرف لأهله: (يَرْفَعْ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)،
فعلوم الشريعة التي يعرفون أحكام صلاتهم وزكاتهم وصومهم
وحجهم، كل ذلك أمور مهمة لابد من تعلمها، وكل علم نافع
للأمة ترتقي به درجات وتستغني به عن غيرها وتبصر أبناءها
فيما يعود عليهم بالخير والنفع تلك أمور مهمة.
ومن أسس تربية الشباب أيضا: أن ندربهم على الحقوق العامة
بأن يعرف الشاب حق أبويه بالبر والإحسان، وحق الجار
بالإكرام، وحق الرحم بالصلة، وحق العموم بالصدق والأمانة
والوفاء، من حقوقهم علينا أيضا وتربيتهم أيضا: أن يعدل
بأبنائه في كل أحواله، وأن تقوى الصلة بينه وبينهم، وأن
يعودهم على الثقة بأنفسهم وأداء الأمانة، ويترقى بهم شيئا
فشيئا، لكي يطمئن على أمانتهم وصحة سلوكهم، فإن هذا النشء
إذا لم يعتني الآباء بهم ضروا وضاعوا عن الحق، فلابد
للآباء من العناية بهذا النشء وتعويدهم على الأمانة
وإعطائهم شيئا من الثقة فيما بينه وبينهم تربية صالحة في
الحديث: "مَا نَحَلَ وَالِدٌ
وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ"، فالأدب
الحسن والتعليم والتربية لا يكون برفع الصوت ولا بالضجر
ولا بالضرب ولا بالتكتم، ولا بالانقباض عنهم، وإنما يكون
بالتوجيه والتربية الحسنة، وقوة الاتصال بينه وبينهم
ليطمئن على صلاحهم واستقامتهم وتحمل مسئوليته بعده فإنك
أيها الأب راحل عنهم وتارك لهم فلابد أن تتركهم على خير
وخلق قويم، وطريقة طيبة وصراط مستقيم، هذا الواجب عليك
فالأدب الحسن والتربية الصالحة من خير ما يمنحه الأب
لأبنائه.
ومن أسس تربية الإسلام أيضا: أنه أهتم بصحة الأبدان
وسلامتها من جميع الأمراض والحث على ما يقوي الجسد ويعينه
على تحمل المسئوليه ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الْمُؤْمِنُ
الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ
الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ"، وحثهم صلى الله عليه وسلم
على الرماية والعدو وكل تربية تقوي البدن وتعينه على القوة
والنشاط فقال: "لاَ سَبَقَ
إِلاَّ عوض إِلاَّ فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ"،
يعني: بذلك أن الخيل والإبل والرمي في عهدهم كانت من أهم
الأمور، إذا فكل علم نافع وكل تربيةً للبدن تعيد قوته
ونشاطه، ويصبح الشاب ذا قوة بدنية سليمة متهيئ للدفاع عن
نفسه وصد العدوان عليه تربيةً بدنية نافعة من الرماية
والعدو والسباحة والسباق وكل أمر نافع، كل هذا مما حث
الإسلام عليه ليحفظ للشباب قوتهم ونشاطهم، وليكن الشباب
المسلم ذا وعي وصحة بدنية وعقلية وبدنية وتربية صالحة كل
هذه أمور أهتم الإسلام بها واعتنى بها.
فلنكن أيها الأخوة على منهج من ديننا لأن تربية نشأنا
وتعويدهم على الخير وحماية أعراضهم وأخلاقهم من السوء أمور
مطلوبة منا: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)،
هكذا يأمرنا ربنا أن نقي أنفسنا من النار وأن نقي أبناءنا
النار بتعليمهم وتوجيهم :"وَكُلُّكُمْ
رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"،
بارك الله لي ولكم في القرآن
العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم،
أقولٌ قولي هذا واستغفروا الله العظيم الجليل لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو
الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما
يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه
لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى
اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى
يومِ الدينِ،
أما بعدُ:
فيا أيُّها النَّاسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى،
علمنا اهتمام الإسلام في لشباب والنشء والاهتمام بتربيتهم
والأسس العظيمة الذي جعلها لبناء هذا الشباب وإصلاحه في
الحاضر والمستقبل، أسباب يجب أن نأخذ بها والتوفيق بيد
الله جلَّ وعلا.
أيها الأخوة،
إن هناك مفهوماً خاطئاً لدى أعداء الإسلام في تربية النشء،
أعداء الإسلام يرون أن ما بين البلوغ إلى السن العشرين أو
الرابع والعشرين من عمر الشاب مرحلة يجب أن يعطى فيها
الشاب حريته يفعل ما يشاء ويعمل ما يشاء وترفع التكاليف
عنه بدعوة المراهقة، وأن هذه المراهقة لا يسأل الشاب عن ما
عمل من فواحش ومنكرات وظلم وعدوان وتصرفات خاطئة بدعوة أن
هذه مرحلة مراهقة، وتلك أمور تخالف شرع الله، فشريعة
الإسلام جعلت البلوغ حدا للانتقال من الطفولة إلى ذوي
الرشد، وأن هذا البالغ يكون مكلفا يتحمل مسئوليته ويحاسب
عن أخطائه ويهيأ له المسئولية، فإذا ترك الشاب يعمل ما
يشاء إلى أن يمضي عقدان أو عقد ونصف من حياته، ربما تكون
هذه الأخلاق السيئة راتبة في ذهنه لا يستطيع التخلص منها
فإنه من نشأ على شيء شب عليه وشاب عليه، فهؤلاء الذين
ينادون بأن الشباب يعطى حريةً في هذه المرحلة من عمره ما
بين البلوغ إلى الرابع والعشرين من عمره يعطى حرية ترفع
التكاليف عنه يفعل ما يشاء ويعمل ما يشاء ويتصرف كيف يشاء،
بلى خجل ولا حياء، هذا أمر يخالف شرع الله، ولقد حفظ
التاريخ صورة حيةً في التضحية والجهاد والعلم في أبناء
الأمة الإسلامية، فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في فتيان
الصغار كانوا يتسابقون في ميدان القتال، عبدالله بن عمر
يقول: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث
عشر فرفضني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشر
فأجازني، وهكذا كانوا يتسابقون في فعل الخير، فأسامة بن
زيد، وزيد بن ثابت، لم يجزيهم النبي صلى الله عليه وسلم
يوم أحد لصغر سنه، فهؤلاء الذين ربوا هذه التربية العظيمة
فربوا على الجهاد والتضحية في سبيل الله، وحمل راية
الإسلام أعظم أمورهم رضي الله عنهم وأرضاهم، النبي صلى
الله عليه وسلم كون جيشا في أخر حياته لغزو الروم، وجعل
قيادته بيد أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال الناس ما
قالوا، فخطب النبي وقال: "وأيم
الله، إنه لخليق بالإمارة إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم
في أبيه من قبله، وإنهم لأيم الله لخليق بالإمارة"،
وكان هذا الجيش يشتمل على أبي بكر الصديق وعمر رضي الله
عنهم كلهم تحت قيادة أسامة بن زيد، فتوفي النبي صلى الله
عليه وسلم وتخلف الصديق عن هذا الجيش لتحمل مسئولية الأمة
ثم طلب من أسامة أن يبقي عمر عنده ليعينه على مهمته، المهم
أن هؤلاء الشباب الأخيار كانوا صلاحا أتقياء ربوا تربيةً
صالحة، حملوا في أول شبابهم المسئولية المهمة في الدعوة
إلى الله، وفتح البلاد وقيادة الجيوش ذلك ربوا تربية صالحة
وأخلاقا فاضلة، تربوا على كل خلق كريم، إن العناية بهذا
النشء وتدريبه على الخير، حثنا الإسلام على أن نزوجهم في
أول أمره: "يَا مَعْشَرَ
الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ
فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ
بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء"، ويشجع هذا
الشاب المستقيم فيقول: "سَبْعَةٌ
يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تحت ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ
ظِلُّهُ" ذكر منهم "شَابٌّ
نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ"، ويقول صلى الله
عليه وسلم: "اغْتَنِمْ خَمْسًا
قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ
قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ
قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ"،
ويقول: "لا تَزُولُ قَدِمَا
عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ وَعَنْ
شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا
أَفْنَاهُ؟"، فلنهتم بشبابنا ولنربيهم التربية
الصالحة، ولتكن صلتنا بهم أيها الآباء صلة قوية من الصغر
محبة ومودة وتربية وتوجيه، لا تشنج ولا غضب ولا صراخ، ولكن
أدب وتعليم ورفق وإيصال الخير لهم وتهيأت مستقبلهم
وإعطائهم شيئا من الثقة ليكونوا على مستوى الأمانة
والمسئولية والتربية على الطاعة وإبعادهم عن مجالس السوء
ودعاة الفساد والرذيلة، أولئك الذين يسعون إلى إفساد
الشباب وحثهم على المخدرات والمسكرات والعمل السيئ والفوضى
والسرقة وكل خلق رذيلة، إن هذه العادات السيئة تلعب
بشبابنا تفسد عقولهم ودينهم تربيهم على السرقة والخيانة
وبيع المخدرات، وترويج الأباطيل.
أيُّها الآباء والأمهات، أيُّها المعلمون والمعلمات،
أبناءنا وفتياتنا أمانةً في أعناقنا، فلنتقي الله في
التوجيه والتعليم والنصح والأخذ بما يسعد.
أيَّها رجال الإعلام،
إن الإعلام اليوم في كثير من مواقعه ضرر على الأمة،على
عقيدتها، وعلى أخلاقها، وعلى قيمها، إنها حملات مسعورة،
ولا شك أننا عاجزون على مكافحتها، أو إغلاقها؛ لكن مهمتنا
أن يكون تربية وتوجيه وعناية وإرشاد لأبنائنا وبناتنا،
وحثا لهم على الخير وإبانة المواقع السيئة المنحرفة وما
فيها من الضرر ليتجنبوها وليكونوا على وعي من دينهم لأن
هذه المواقع تبث سموما قاتلة تنشر الرذيلة وتحارب الفضيلة،
وتدعو إلى الأخلاق السيئة، فعلى المسلمين جميعا تقوى الله
في أنفسهم، وأن يهتموا بشبابهم وأن يسمعوا منهم ما لديهم
وما تأثروا به من هذه الأخلاق السيئة ليعالجوا في وقته
ويجتثوه قبل تمكنهم في نفوسهم، إذا سمعنا شبابنا يقولون
أقولا سيئة عن بعض تلك المواقع فلنبادر بالإصلاح والتوجيه
والأخذ على أيدهم لكل خير، رأى النبي صلى الله عليه وسلم
في يد الحسن تمرة قد ألقاها فيه فقال: "كخ،
كخ، حتى ألقاه وقال: "نحن
أهل بيت لا تحل لنا الصدقة"، فلابد أن ننشأ النشء
على الخير والتقوى، وكلما شعرنا أنهم تأثروا ببعض المواقع
السيئة فلنوضح لهم أضرارها ومفاسدها ومساوئها، وأنها دعاة
خير وإنما تريد الإضلال والإفساد، حمى الله الجميع من كل
سوء، وحفظنا وإياكم بالإسلام وأصلح لنا ذرياتنا ورزقنا
العمل الصالحة إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ
الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ
محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين،
فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على محمد صلى الله عليه وسلم كما
أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ
اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على
عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين،
الأئمة المهدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن
سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم
بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك،
وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين،
ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، وجعل اللَّهمّ
هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب
العالمين، اللَّهمَّ أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا ولاة
أمورنا، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله
بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، اللَّهمَّ سدده في أقوله وأعماله
وأمنحه الصحة والسلامة والعافية إنك على كل شيء قدير،
اللَّهمَّ أجعله بركة على نفسه وعلى مجتمعه وعلى المجتمع
المسلم، اللَّهمَّ أعنه على كل خير إنك على كل شيء قدير،
اللَّهمَّ وفق ولي عهده سلمان بن عبدالعزيز لكل خير، وسدده
في أقواله وأعماله، وأعنه على
تحمل مسئوليته إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ
لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)،
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، اللَّهمَّ أنت
اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل
علينا الغيثَ وجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً
إلى حين، اللَّهمَّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ
ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ وجعل ما أنزلتَه قوةً لنا
على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ
أغثنا، اللهمَّ أغثتنا، اللّهمَّ سقيا رحمة لا سقيا بلاء
ولا هدم لا غرق، (رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله،
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا
اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ
نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما
تصنعون.
|
- Blogger Comment
- Facebook Comment
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 التعليقات:
إرسال تعليق